خاص/ شبكة الجيوستراتيجي للدراسات
قامشلو ـ صدر الحكم على زوج المغدورة شابرين تمو بالسجن لمدة 15 عاماً، بجريمة القتل عن قصد، إضافة للسجن لكل من تواطئ معه وعمل على إخفاء الأدلة فترة وقوع الجريمة قبل عامين، بغية إظهار الواقعة على أنها قضية انتحار، وما يزال الحكم قابل للاستئناف.
تلك الجرائم ليست وليدة اليوم
في الأعوام القليلة الماضية بدأت جرائم قتل النّساء والانتحار تتزايد بشكل ملحوظ في شمال وشرق سوريا، ولم نتمكن من الحصول على نسب موثقة وثابتة تتعلق بهذه القضايا، نظراً لأن كل منظمة نسوية وإنسانية تضع توثيقاتها بحسب موقع عملها ومساحة نشاطها، إلا أننا ومما نشهده على أرض الواقع تظهر العديد من قضايا القتل على أنها انتحار.
وهنا ندرك أن هذه الظّاهرة ليست وليدة اليوم في مناطقنا، بل إنها متواجدة منذ عقود، فمع تزايد النّفوذ العشائري والحكم السّلطوي الذّكوري على المرأة، كان هناك ما يعرف بجرائم قتل تحت مسمى "الشّرف" أو تطبيق العرف والعادات والتّقاليد التي كانت بمثابة سجن للمرأة، وتتستر تحت قناع الدّين والعيب لتُسهل التّحكم بها.
ولعل العديد ممن يعيشون في المجتمعات الشّرق أوسطية سمعوا بقضايا قتل لنساء تحت مسمى الشّرف، ولكنهم التزموا الصَّمت في ظل قانون يحكمه العُرف، مقنعين أنفسهم أن الخطأ كان يقع بشكل كامل على الضّحية المرأة، بينما الرّجل حتى لو قام بالخيانة حكمه كان يُخفف دائماً وأحياناً ينجو من العقوبة، ولعل هذا ما أبقى المرأة والجرائم التي ترتكب بحقها لأعوام طويلة في الظّل، بدون أن يُصدر بحق الجناة عقوبات رادعة.
وفي بعض الأحيان كان يتم حل الأمر بالصّلح بين الطّرفين عن طريق العشائر ودفع ما يُعرف بـ"الودية"، أي حفنة من النّقود يحددها عائلة الضّحية لتنهي الخلاف وأي محاولة للأخذ بالثائر، وهنا نستذكر قضية لشابة تدعى احلام كانت تدرس فرع الادب العربي في السّنة الرَّابعة، اختلفت مع زوجها حول رغبتها بتقديم المادة الأخيرة لتخرجها، ولكي تخيفه هددته بأنها ستحرق نفسها وسكبت على جسدها مادة قابلة للاشتعال، إلا أن الزّوج رمى لها الولاعة غير آبه، وعن غير قصد عند إشعالها للولاعة بدأ جسدها بالاحتراق.
وبحسب شهود عيان فإن الزّوج وقف ينظر إليها وهي تحترق بدون أن يُطفئها، حتى تمكنت من الزّحف وإطفاء نفسها في أحد المصارف، وبعد نقلها إلى المستشفى كانت تعاني حروقاً من الدّرجة الثالثة في كل انحاء جسدها، وبعد مرور بضعة أيام توفيت، هذه الحادثة كانت بين عامي 2016 و2017، إلا أنها طويت وتم حلها بدفع دية لعائلتها، وهو الآن تزوج ويكمل حياته بشكل طبيعي.
ولكن اليوم تُقدم عائلة على فتح ملف قضية ابنتها الذي أُغلق على أنه انتحار، وتطالب بحق الضَّحية بالرغم من رابط القرابة بينها وبين الجاني، وعلى الرّغم من استمرار القضية لعامين كاملين، لم تستسلم عائلة شابرين تمو وما تزال تُطالب بحقها، رغم التّدخلات التيحاولت تضليل العدالة عن الحقيقة.
تفاصيل وتناقضات القضية
في ليلة الـ19 من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، قُتلت شابرين تمو ذات الـ22 ربيعاً، على يد زوجها محمد نور الدّين، وذلك في منزلها الكائن بناحية كركي لكي بقرية سكركا جولي، وأغلقت القضية على أنها انتحار، وكانت قد تزوجت في 2016 من قريبها، ولديها ابنة تبلغ من العمر آنذاك 3 سنوات، والطفل 42 يوماً.
وبعد إقدام الجاني على جرم القتل تدخل العديد من الأشخاص لإخفاء الدَّلائل وتشتيت العدالة، بدءاً من إصدار تقرير مزور يثبت أنها انتحرت، وهذا ما قدمه الطَّبيب تيسير مقدسي، الذي أكد على أن سبب الوفاة هو الانتحار شنقاً.
ومن ينظر إلى القضية يعتقد أنها قد تنتهي هنا، حتى لاحظت المغسلتين قبل الدَّفن أن الدّماء كانت تتدفق من رأس الضّحية بشكل كبير أثناء غسل الجثة، وهذا ما أجج الشَّكوك لديهما حول الحادثة، إلا أنهما التزمتا الصَّمت، ولكن بعد فترة أخبرتا عائلة المغدورة بالأمر، مما دفعها لإخراج جثمانها بعد أكثر من 15 يوماً على الدَّفن، وجلب أطباء شرعيين آخرين لمعرفة سبب الوفاة، حسب معلومات موثقة من عائلة المجني عليها.
وأرجع تقرير الطّب الشّرعي الثّاني سبب الوفاة لضربة في الرأس تلقتها الضّحية، مما تسبب بجرح عميق عند البصلة السَّيسائية بطول 7 سم، وبرز وجود علامات واضحة على يدي الجثة تثبت تعرضها للربط أو التّمثيل بعد الوفاة والخنق المُتعمد وغلسها، مما يفسر نظافة ملابس الضّحية عند نقلها للمستشفى.
وكان الطَّبيب تيسير مقدسي قد تهرب من المحكمة عدة مرات، وأنكر تذكره لما كُتب بالتقرير آنذاك، وحصلنا على معلومات من مصدر موثوق أن الطّبيب كان على معرفة بالجاني، وأنكر وجود جرح في رأس الضّحية عند سؤال عائلتها له، بل ولم يسمح بحضور والدها وشقيقها الكشف الشّرعي.
وأجمعت التَّقارير على أن ساعة الوفاة كانت في الـ12 ليلاً، ووصول عائلتها كان بعد ثلاث ساعات تقريباً من الواقعة، ولم ينكر الزّوج رغم تضارب أقواله أنه تسبب بجرح لزوجته، مدعياً أنه حدث عندما حملها لينقلها للمستشفى وسقطت منه بالخطأ، إضافة للعديد من الأقوال الأخرى المُتضاربة.
وانتشرت العديد من الشّائعات عن أن شابرين تمو كانت مريضة نفسياً لذا قتلت نفسها، بالرغم من أنَّ زميلاتها في العمل وزوجها نفسه اعترف بأنها كانت عاقلة، ووصل الأمر إلى تبرير سبب الكدمات التي على جسدها بأن الجّن هو من قتلها.
ولعل التّناقضات الكثيرة بين أقوال الزّوج ووقائع الحادثة هي ما تسبب بتسليط الضوء على هذه القضية وإثارة الشّكوك، إضافة لتدخل أطراف عدة مما أدى لتأخر إصدار الحكم فيها لعامين متتاليين، ولا سيما أن الزّوجين كانا يسهران معاً عند أقاربهما ولم يعودا إلا بعد السّاعة الثّامنة والنَّصف مساءاً لمنزلهما.
وكانت الزّوجة التي وضعت مولودها الثّاني حديثاً، تخطط لزيارة الطّبيب والقيام بأعمال عدة في اليوم التّالي، بحسب ما صرح به أحد أفراد أسرتها.
ولعل العلاقة الزّوجية في السّنة الأخيرة بين شابرين وزوجها لم تكن مستقرة، نظراً لأنه اتهمها بأن الطّفل ليس ابنه في أحد المرات، وعند مواجهته في المحكمة قال أنه كان يمزح معها.
لحظة صدور الحكم
في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وبعد عدة جلسات استمرت على مدار عامين، صدر الحكم في هيئة العدالة الغرفة الأولى، وحكم بموجبه الجاني محمد نور الدين 15 عاماً بتهمة القتل عن قصد حسب المادة 94 من قانون العقوبات في شمال وشرق سوريا.
كما وحكم على كل من سوزدار أكرم أحمد، وأحمد محمد محمد وشرفان محمد بـ 7 سنوات و6 أشهر سجن، بتهمة التّدخل في جريمة القتل عن قصد، حسب المادة 76 من قانو العقوبات بشمال وشرق سوريا.
أما الطّبيب تيسير المقدسي فحكم عليه حسب المادة 402 من قانون العقوبات السّوري بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة التّزوير.
وجاء الحكم على الجاني 15 عاماً كحد أقصى وهو قابل للاستئناف، والقتل القصد هو الذي يحدث من غير تخطيط والذي يبين أن المجني عليها لم ترتكب أي عمل يستدعي قتلها حسب ما أفاده محامي عائلة الضّحية، على عكس العمد الذي يكون مخططاً له ويحدث بسابق التَّرصد والاصرار، إلا أن الأسباب لم يتم توضيحها، ومما لا شك فيه أن ملف القضية لم يغلق بشكل كامل بعد.
والأمر الغريب أنه في فترة صدور الحكم لم يحضر أحد من عائلة الزوج، على عكس عائلة شابرين التي حضرت كلها المحاكمة تقريباً، بالرغم من مصيرية وأهمية القرار الصّادر، ولا سيما مع وجود مصادر مقربة من الطّرفين أفصحت عن معلومات لمحاولات حل الأمر بشكل سلمي عبر تدخل بعض عشائر المنطقة فيه.
ردود الفعل
على ما يبدو أن قرار المحكمة لم يلقى استحسان عائلة شابرين والمُنظمات النّسوية المناصرة لقضيتها منذ بداية فتح ملفها، وتبين إدارية المكتب القانوني لمنظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة أرزو تمو، أنَّ القرار الصّادر عن الغرفة الأولى بمحكمة الشَّعب في قامشلو، لا يوافق العدالة الاجتماعية، "خمسة عشر عاماً قليلة على الجّرم الذي ارتكبه الجاني، ولا سيما أن القتل عمد".
وتوقعت أن يأخذ الجاني حكم المؤبد، إلا أنه لم يحصل ذلك، إضافة لأن حكم الأشخاص الذين تدخلوا في القضية كذلك كان قصيراً، وبالنسبة للطبيب الذي قدم تقريراً مزوراً فإن حكمه ثلاث سنوات غير كافي "كان يجب أن تسحب منه الشّهادة، ويحكم على المُتدخلين تقريباً 20 عاماً".
وأكدت على أنهم سيقومون بالاستئناف والطَّعن بالقرار "أطالب المحكمة وجميع القائمين على هذه الدّعوى أن يتخذوا أشد العقوبات لقتلة النَّساء ليكونوا عبرة لغيرهم".
وقالت ريحان تمو شقيقة المغدورة "منذ عامين نسعى جاهدين لأن لا يضيع حق شابرين، صدر حكم معقول قانونياً، ولكننا كعائلتها لا نعتبره عادلاً نوعاً ما، للعديد من الأسباب".
وذكرت الاسباب التي لا تجعلهم يقبلون هذا الحكم "لو أن الأمر توقف على القتل ربما كنا سنتقبله، إلا أنه تعدى ذلك لتلويث سمعتها التي صنعتها خلال سبع سنوات من العمل في المراكز الثّقافية والإداريّة، ولم نسمع عن أحد اشتكى من عدم سلامتها عقلياً".
وكانت شابرين إدارية بفرقة الشّهيدة آلينا بمركز آرام ديكران للثقافة والفن برميلان، وتدرب أكثر من 30 طفل على الغناء.
وتابعت "في نظرنا نعتبر التّمثيل بجثتها ليظهر الأمر على أنه حالة انتحار قتلاً للمرة الثّانية، إضافة لنشر الاشاعات عن صحتها العقلية وإدخال الخرافات كالجن في القضية، وهذه الأمور تحتاج لحكم أكبر واكثر شدة وصرامة".
ووصفت صعوبة موقف والدها الذي قام هو وشقيقها بفتح القبر واخراج الجثمان منه، ولا سيما أنه سقط مغشياً عليه أثناء ذلك، وخاصة بعد أن رأى أن شعر ابنته سقط بشكل كثيف وسريع نتيجة الجرح الذي اصيبت به.
وترى ريحان تمو أن الحكم الذي صدر بحق الجاني والمُتواطئين معه يفتح الطّريق أمام زيادة عدد جرائم القتل "لا نقبل بهذا الحكم ولا نراه عادلاً، وسنعترض ونقدم استئنافنا عن طريق المحامي، لنسد الطريق أمام جرائم قتل النّساء".