محمد عبد العزيز على طريقة يالماز كوني (الإخراج الكردي يفرض نفسه ضمن الدراما السورية اللبنانية المشتركة)

خاص/ إعداد فريق الجيوستراتيجي للمتابعات الثقافية

في الوهلة الأولى سنجد تمرير الكلمات الكردية ( تنه تنه - خالو- كوجك )، المصطلحات التي تدل على كردية الشخصية وتكوينتها ضمن البناء الدرامي، إلى جانب التسمية الكردية لبطلة المسلسل (مريم شيخو)، وطبيعة التطرق إلى قضايا حساسة تتعلق بالتدخل العسكري السوري في لبنان عقب الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في أبريل/نيسان 1975، وقضية مفقودي الحرب الذين لم يُعرف مصير بعضهم إلى اليوم، وتصاعد العنصرية ضد اللاجئين السوريين ممن نزحوا إلى لبنان بسبب القمع العسكري للثورة السورية، وصراع الطبقات الإجتماعية وتكوينة التطرف والاحقاد التي يضغنونها للمجتمع.

يدعنا أحداث المسلسل أمام خشبة المسرح مفتوحة على مصراعيها، وكإن المشاهد يشارك في مجريات القصة المتعددة الجوانب والمفعمة بالحزن المستمر. وينتظر أن تكون الموسيقا الجانبية أغنية محمدو في فلم الطريق للمخرج الكردي الشهير يالماز غوني. ليؤكد لنا مخرج النار بالنار محمد عبد العزيز ولعه بإبراز تلك الروح الكردية ضمن سياق الأحداث.

محمد عبد العزيز وإعادة إنتاج مدرسة يالماز غوني

البيئة الكردية مناخ خصب للشخصيات الفنية والأدبية المميزة، وضعت بصمات واضحة على الدراما السورية - التركية - العراقية - الإيرانية، ولعلَّ الكم الكبير من الانتاج الأدبي والفني اليوم مثال على قدرة الإنسان الكردي في إنتاج فن مميز، وإن كانت ضمن سياق اللغات العربية والتركية الفارسية، إلا أن اللمحة الكردية وتمرير الرسائل التي تنقل عمق المعانات الكرد هي التي كانت تبنى عليه الدراما والقصص والتوجه.

لم تمر حلقة دون أن تظهر لنا شخصية بطلة المسلسل ( مريم ) كرديتها من خلال التذكير بالعناد الكردي ( تنه تنه ) أو أخذنا إلى حي الأكراد بدمشق وساحة شمدين وشيخ محي الدين، والحلقات المولوية التي كانت تدار في الأحياء الكردية بدمشق. والمفارقة إن إظهار الشخصية الكردية من خلال اللمحات دون مباشرتها، تكمن في شخصية مريم التي هي كردية الأصل، الممثلة السورية (كاريس بشار) بنت حي الأكراد الدمشقي، أو من خلال ( تيم ) الطفل الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، وهو نجل المخرج محمد عبد العزيز، بمعنى أرد إظهار كردية هذه الشخصية أيضاً من خلاله والذي يبدأ بنطق كلمة خالو، وأسمه بارود في المسلسل، وبارود في الثقافة الكردية تدل على الجرأة والشطارة والحركة.

تمرير معانات العفرينيين مع العمشات وسلطان مراد في سياق النار بالنار

في مجريات المسلسل نجد أيضاً تطرق (مريم شيخو) مختطف من قبل العمشات وسلطان مراد، وإنهم يريدون فدية للإفراج عنه، في مشهد واقعي لما يعانيه العفرينيين على يد هؤلاء المجموعات المرتزقة التي تخطف الكرد والرجال والنساء والاطفال الكرد وتطالب بالفدية المالية. ومن المعروف إن هذين الفصيلين للمسلحين يحتلون مدينة عفرين، وذكرهم في سياق المسلسل وعلى لسان مريم التي تظهر كرديتها ضمن الاحداث، يتكون الصورة الكاملة لدى المشاهد حول هذه الجزئية التي تتعلق بواقع اللاجئين الكرد والسوريين في لبنان. أو في أية منطقة أخرى لجئوا إليه.

آداء يالماز غوني لم تكرر إلا مع محمد عبد العزيز

التأثير المباشر للمدرسة الكردية الإخراجية على أعمال المخرج محمد عبد العزيز سواءً المسلسلات أو الأفلام يدعنا أمام خط العرض الذي يسير عليه ويبرز إنتاجه، وخلال فلمه الرابعة بتوقيت الفردوس الذي صدر عام 2015 وبين شخصيات الفيلم، تبدو قصة بشير، التي أداها الممثل محمد آل رشي، الأكثر إيلامًا وواقعية، والأكثر شبهًا بالشخصية الكردية المقهورة في سوريا، خاصة مع الأداء العالي ودخوله في عمق الشخصية الكردية السورية، مع مشاهد متكاملة باللغة الكردية ضمن أحداث الفلم، هذه الشخصية التي فقدت كل شيء، حتى بيته، ليعيش نازحاً على صدر عربة خشبية يجرها حصان وسط المدينة، فيتعب الحصان ليجد حتفه على يد بطل الفلم ( بشير الكردي ) في عملية الموت الرحيم، في تكرار لمشهد مشابه من فلم الطريق ليالماز غوني حيث يقود سيد علي حصانه ومعطفه ومسدسه لحماية نفسه في الطريق الذي يبلغ أكثر من خمس ساعات فوق ثلوج متراكمة وفي الطريق لا يستطيع الحصان اكمال المسيرة ويتجمد من شدة البرد فيسقط أرضا لذلك يقوم سيد علي بقتل الحصان ويكمل المسيرة على قدميه. وهو ما نقل لنا فلم الرابعة بتوقيت الفردوس المشاهد لمعانات الكردي نفسه سواءً بين ثلوج قونيا أو شوارع دمشق.

المشاهد الجريئة والبناء الدرامي

إن إنتاج اللحظات السعيدة في ظل الحزن العميق والطويل يلفت أذهان المشاهدـ ويجعله متمسكاً بشغف في الإستمرار بالمشاهدة. وهو ما وفره محمد عبد العزيز في مجريات مسلسل النار بالنار وقبله شارع شيكاغو أو من خلال أفلامه.

مشاهد القبلات والاحضان لم تفارق أفلام ومسلسلات محمد عبد العزيز، بإعتبار إن طبيعة سرد القصة في سياق الدرامي لا يمكن فصله عن الواقع، فالجرأة التي أتسمت بها مسلسل النار بالنار لا تفصل عن المشاهد الساخنة من مسلسل شارع شيكاغو، بل إنها متابعة لنفس النهج في تقديم الصورة المتكاملة دون نقصف في جانب من جوانبها، ولعلَّ المعالجة الدرامية التي تقدم الواقع دون غطاء أو موانع هي التي برزت أرجحية التشويق لدى المشاهد.

فمشهد القبلة بين شخصيتي عزيز ومريم على شاطئ بيروت في ظل الحزن والمعانات التي يعانونها، تذكرنا بممارسة الحب داخل القطار لأحد الأبطال الخمسة في فلم الطريق ليالماز غوني، بالرغم من الظروف والمعانات التي كانت تعانيه شخصية سيد علي داخل الفلم.

النهايات الدموية.. الإنتقام الكردي للشرف

في مشاهد مبهرة، ختم مسلسل النار بالنار بقدوم زوج  مريم شيخو الذي كان مختطف من قبل العمشات في عفرين إلى بيروت بمساعدة عمران الذي حولته الظروف إلى وحش يفتقد للرحمة، ويقدم زوج مريم على الإنتقام من منها في مشهد مروع لإعادة سمعته من خلال ذبحها وطعنها بالسكاكين. في الوقت الذي كانت الفتاة الصغيرة التي كانت يختبئها بارود تولد طفلها. 

هكذا دائماً النهايات الحزينة التي تختم فيها الدراما الكردية ومعظم افلامها وقصصها، وهذا ما كان يتبعه المخرج الكردي الكبير يالماز غوني، وأنها بها المخرج الكردي السوري محمد عبد العزيز مجريات المسلسل. 

----------------------------------------

محمد عبد العزيز: 

- مخرج وكاتب وشاعر كردي سوري من مواليد القامشلي/ قامشلو 1974.

- درس السينما في تركيا، بدء عمله مخرجاً للكليبات الغنائية المصورة وله رصيد كبير منها، انتقل إلى السينما التسجيلية، و منها قدم عدد من الأفلام الروائية الطويلة وعدد من المسلسلات المميزة: 

نتاجاتها في الإخراج 

- (مسلسلات)

النار بالنار (2023)

شارع شيكاغو (2020)

ترجمان الأشواق 2018

- ( أفلام )

الرابعة بتوقيت الفردوس 2015

حرائق أو حرائق البنفسج 2014

دمشق مع حبي 2010

ظلال النساء المنسيات 2009

نصف ملغ نيكوتين 2007

نتاجاتها في كتابة السيناريو والحوار

- (مسلسلات)

شارع شيكاغو 2020

ترجمان الأشواق 2018

- (أفلام)

الرابعة بتوقيت الفردوس 2015

حرائق أو حرائق البنفسج 2014

دمشق مع حبي 2010

ظلال النساء المنسيات 2009

نصف ملغ نيكوتين 2007

الجوائز والترشيحات

أفضل فيلم، أفضل ملابس عن فيلم نصف ملغ نيكوتين من مهرجان باري إيطاليا لدول حوض المتوسط.

الجائزة الثانية من مهرجان انابوليس الدولي في تونس عن فيلم دمشق مع حبي .

جائزة لجنة التحكيم الخاصة، أفضل ممثلة (مناصفة) عن الرابعة بتوقيت الفردوس من مهرجان الاسكندرية السينمائي لعام 2015.

أفضل فيلم، غولدن أوورد مهرجان الكاميرا العربية روتردام عن المهاجران .

سبع ترشيحات غولدن غلوب 2016 عن الرابعة بتوقيت الفردوس.