الصمت الدولي والدعم الخارجي: دوافع توسع التطرف وإعادة إنتاج الجرائم في سوريا

آدمن الموقع
0
قراءة سياسية لـ إبراهيم م. كابان
شهدت سوريا خلال العقدين الأخيرين تحولات عميقة ومعقدة في طبيعة الصراع الذي لم يعد مجرد مواجهة مسلحة بل أصبح معركة متعددة الأبعاد تشمل السياسة الداخلية والخارجية والتوازنات الإقليمية والدولية، وقد ساهمت هذه التحولات بشكل مباشر في تمكين الجماعات المتطرفة من التمدد وإعادة إنتاج الجرائم بحق المدنيين، خاصة الأقليات العرقية والدينية مثل العلويين والدروز والكورد. ويشكل الدعم الخارجي من قبل الولايات المتحدة وتركيا والسعودية إضافة إلى التمويل القطري، جنبًا إلى جنب مع الصمت الأوروبي، عنصرًا رئيسيًا في تمكين الجماعات المسلحة من ممارسة العنف دون أي رادع دولي، الأمر الذي يعكس خللًا استراتيجيًا في إدارة المجتمع الدولي للأزمات الإقليمية ويؤكد غياب الإرادة الفعلية لمنع تكرار المجازر التي شهدتها البلاد سابقًا.

يشكل الدعم الدولي والإقليمي أحد أهم العوامل التي ساهمت في استمرار نزيف العنف في سوريا، حيث توفر هذه الشبكة من الدعم غطاءً سياسياً وعسكرياً للجماعات المتطرفة، مما يتيح لها السيطرة على مناطق واسعة من البلاد وفرض إرادتها على السكان المحليين. التمويل القطري يلعب دورًا مركزيًا في هذه الديناميكية إذ يمكّن الجماعات المسلحة من شراء الأسلحة وتنظيم المقاتلين واستقطاب المزيد من العناصر المتشددة، بينما يساهم الدعم التركي والسعودي في حماية خطوط الإمداد وتأمين مناطق النفوذ، كما يتيح النفوذ السياسي لهذه الدول التأثير على الصراعات المحلية وإعادة ترتيب القوى بما يخدم مصالحها الإقليمية. أما الدعم الأمريكي المباشر فيضفي شرعية غير مباشرة لهذه التحركات ويمنح الجماعات المسلحة شعورًا بالحصانة، وهو ما يفسر قدرة هذه التنظيمات على ممارسة العنف بحق المدنيين وارتكاب الانتهاكات التي طالما استهدفت الأقليات العلويين والدروز والكورد دون أن تواجه أي مساءلة حقيقية على المستوى الدولي.

إلى جانب الدعم الخارجي، يساهم الصمت الأوروبي في تعزيز شعور الإفلات من العقاب لدى هذه الجماعات، حيث يلاحظ المتابعون أن الحكومات الأوروبية والمنظمات الدولية تتخذ مواقف شكلية غالبًا دون التدخل الفعلي لمنع الجرائم، وهو ما يكرس بيئة من الإفلات من العقاب ويتيح للجماعات المسلحة رفع سقف العنف والتمادي في استهداف المدنيين، خصوصًا الأقليات التي تتعرض منذ البداية لهجمات ممنهجة لأسباب طائفية واستراتيجية. الصمت الأوروبي لا يشكل مجرد غياب الردع بل يعد شراكة ضمنية في الجرائم التي ترتكب على الأرض، إذ يرسل رسالة ضمنية بأن هذه الممارسات لن تواجه أي رادع دولي وأن الضحايا لن يجدوا من يدافع عن حقوقهم ويوقف المعاناة.

أما استهداف الأقليات العلويين والدروز والكورد في سوريا فهو دليل واضح على أن العنف الممارس ليس عشوائيًا بل جزء من استراتيجية ممنهجة لتفكيك النسيج الاجتماعي وإخضاع السكان المحليين لسيطرة الجماعات المسلحة، فقد شهدت هذه الأقليات موجات من التهجير القسري والاغتيالات المنظمة والمجازر الدموية التي تهدف إلى تفكيك المجتمعات المحلية وفرض هيمنة الجماعات المسلحة على مناطق النفوذ. وما يحدث اليوم بحق العلويين هو إعادة لتكرار هذه السياسات، وهو مؤشر خطير على أن استمرار الدعم الخارجي والصمت الدولي يخلق بيئة خصبة لتصاعد العنف وإعادة إنتاج التجارب السابقة التي أثقلت كاهل المجتمعات السورية بالدم والمعاناة.

ومن الناحية السياسية والاستراتيجية، فإن توسع الجماعات المتطرفة لا يقتصر على البعد الإنساني فحسب بل يمتد تأثيره إلى إعادة رسم التوازنات الإقليمية والسياسية، إذ يضعف قدرة الدولة السورية المركزية على فرض سيطرتها على أراضيها ويخلق فراغًا سياسيًا يسمح بتمدد الجماعات المسلحة وتأثيرها على السكان المحليين، كما يشكل تهديدًا للأمن الإقليمي للدول المجاورة ويخلق بيئة من عدم الاستقرار يمكن أن تمتد تأثيراتها إلى المستوى الدولي. إن هذه الديناميكية تعكس فشل المجتمع الدولي في فرض معايير حماية المدنيين وتحديدا الأقليات، وتكشف عن ضعف الشرعية الدولية في مواجهة الأطراف الداعمة للجماعات المسلحة، وهو ما يجعل من الضروري إعادة التفكير في الاستراتيجيات الدولية وممارسة ضغوط فعلية على الدول الداعمة لمنع استمرار العنف وتكرار المجازر.

إن استمرار الدعم الخارجي والصمت الأوروبي يشكلان عاملين أساسيين في تغذية التطرف وتمكين الجماعات المسلحة من ممارسة العنف بلا رادع، وهو ما يستدعي تدخلات دولية عاجلة تركز على فرض مساءلة حقيقية على جميع الأطراف الداعمة للجماعات المسلحة، ودعم المجتمع المدني المحلي لتعزيز المقاومة السلمية وحماية الأقليات، والضغط على الدول الأوروبية لتجاوز المواقف الشكلية والمساهمة الفعلية في حماية المدنيين، كما يجب تعزيز آليات المراقبة والشفافية في التمويل الخارجي الذي تصل آثاره مباشرة إلى ساحات القتال. هذا التحليل يؤكد أن السياسات الإقليمية والدولية الحالية، إذا استمرت دون تغيير، ستؤدي إلى مزيد من التوسع للجماعات المتطرفة وتكرار الانتهاكات ضد المدنيين، وهو ما يجعل من الضروري تبني نهج استراتيجي شامل يربط بين حماية المدنيين ومحاسبة الدول الداعمة للجماعات المسلحة، لضمان الحد من التدهور الإنساني والسياسي في سوريا ومنع عودة المشاهد الدموية التي عانى منها الشعب السوري على مدى سنوات الصراع.


إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!